كتب - شريف سمير:
جمال الفن فى الارتقاء بالذوق والشغف بتغيير
الوجدان .. وهذا هو الفارق بين مخرج وآخر فى درجة الإبداع ومستوى الوعي .. وثمة
طراز من فرسان المسرح "أبو الفنون" يسبخ ضد تيار الإكليشيهات ويشتهي
تحويل ساحة الشارع إلى فضاء مسرحي مثلما انتشر "مسرح الحقيبة" في بداية
الألفية الثالثة!
الانطلاقة من الباعة الجائلين!
null
وينتمي المخرج الموهوب هاني عفيفي تلميذ فرقة
"أتيلييه المسرح" المستقلة وأحد سلالة مركز الإبداع الفني إلى هذه
النوعية النادرة من الباحثين عن المتعة البصرية مع تحريك العقل وشحن المشاعر بلغة
تكنيك الممثل .. وعن تجربته الأخيرة "أوبرا العتبة" بمسرح الطليعة
"مستودع الموهوبين"، شرح عفيفي كيف واتته الفكرة وأنعشت خياله الخصب
وقال: "بينما تحاصر البضائع المتنوعة وأصوات الباعة الجائلين المسجلة على
مكبرات صوت قاعات مسرح الطليعة والمسرح القومي؛ فسألت النفس، ماذا لو حاولنا
الخروج لهذه الفئة من مجتمعنا بإحدى الفنون الراقية؟!"
أصوات النخبة!
وأضاف عفيفي :"دعونا نغني أوبرا وسط السوق
ونرى ماذا ستكون ردود الأفعال كل يوم بين الباعة والزبائن في محيط مسرح
الطليعة" مشيرا إلى أن عرض "أوبرا العتبة" يناقش نخبوية الفنون
الراقية في مجتمعنا الحالي وشعور الكثير من المثقفين ورواد الفنون الجميلة بالعزلة
الاجتماعية بين جيرانهم ومواطنيهم، وانحسار جمهور معظم الفنون الراقية بتنوعها بين
المسرح والرقص والأوبرا والموسيقى الكلاسيكية والفنون التشكيلية وغيرها على
المشتغلين بها وذويهم في أغلب الأحيان.
أسئلة حائرة!
واستمر عفيفي يطرح الأسئلة فى صورة مشاهد
مسرحية اتخذت سخونة المباراة الفنية بين فريق العمل والجمهور .. كيف أثر تدني
التذوق الموسيقي في الشارع المصري على سلوكياتنا وأخلاقيات التعامل بين الناس؟...
وماذا لو احتل الباعة الجائلون خشبة المسرح؟.. ماذا يسمعون من موسيقى؟ .. ولمن
يستمعون؟ .. وأي نوع من الفنون يحظى بمتابعتهم؟
.. وإلى أين وصل إحساس العامة بالجمال سمعيا وبصريا؟ .. ثم كيف أصبحت
الفيديوهات القصيرة المغرقة في ضعف وتفاهة محتواها تحصد ملايين المشاهدات على
السوشيال ميديا بينما لا يتجاوز التابلوهات الفنية الحية الراقية المئات أو الآلاف
القليلة من المشاهدين؟.
فقرة أوبرالية!
وأضاف مخرج العمل أن تلك التساؤلات والأفكار
وتفاصيلها هي موضوع المسرحية، من خلال خمسة خطوط متوازية:
الأول: على مسرح صغير يبنى خصيصا بأدوات إضاءته
وصوته خارج أو على حدود حرم المسرح يكاد يكون بين الباعة الجائلين خارج مسرح
الطليعة أو موجه بشكل مباشر إليهم.. ويقف مطربا أوبرا كلاسيكية يغنيان فقرة من
أغاني أوبرالية عالمية مختارة.
مساحة "مثقف"!
الخط الثاني يرسم على المسرح منصة رئيسية هي
مساحة المثقف وهو رجل فوق الخمسين يجلس وحيدا متأنقا يستمع إلى الموسيقى
الكلاسيكية ويطل علينا من حين لآخر بأحد الفنون الراقية.. يؤدي مشهدا تمثيليا
كلاسيكيا.. يقرأ جزءا من قصيدة.. يرسم لوحة تشكيلية.. يناقش وحيدا مصطلح ما بعد
الحداثة...... يفعل ذلك دائما بجدية وصدق لا يفتعل في أدائه دون سخرية.. لكنه في
النهاية يخاطب نفسه ويستمع وحيدا إلى موسيقاه وأغنياته المفضلة التي هجرتها
الغالبية.
سيدة منزل!
وتظهر فى الخط الثالث منصة مقابلة بمساحة أصغر
لسيدة منزل جالسة على أريكة فخمة تتابع على التلفاز أخبار الحروب الروسية الأوكرانية والسودانية
والفلسطينية وتستخدم هاتفها لطلبات المنازل منها صناديق الأرز والزيت والمكرونة والسكر
والدقيق والأدوية، لنعيش لحظات من نموذج بشري مهووس بتخزين البضائع خوفا من
المستقبل!.
لحظات خاطفة!
ويحتضن الخط الرابع ٦ من الممثلين متنوعي
الهيئات يمثلون عددا من شخصيات المجتمع مختلفي الثقافات والخلفيات الاجتماعية في
مشاهد قصيرة متدفقة ترصد صخب حياتنا العصرية وصراعاتها وعشوائيتها في الكثير من
الأحيان!.
توحش السوشيال ميديا!
ويدور أخيرا المحور الخامس حول شاشة عرض طولية
على المسرح يعرض عليها من وقت لآخر تصفح سريع لنماذج من الفيديوهات القصيرة على
مواقع التواصل الاجتماعي متنوعة المحتوى
ويحاكيها الممثلون االستة في مشاهدهم.
قرار المتفرج!
وتتقاطع خطوط تجربة "عفيفي" فى لوحة
تشكيلية مصحوبة بحنجرة مطربة الأوبرا خارج المسرح بإيقاع سريع وتتداخل مع أصوات
الباعة الجائلين والأسواق الشعبية وأغاني المهرجانات وأبواق السيارات .. ويختفي كل
خط بإظلام الإضاءة ليبقى فقط فى نهاية العرض مكبرات الصوت فى سوق إنسان العصر بكل
ضجيجه وصحبه وعشوائيته .. ويقرر المتفرج وحده وبإرادته إلى من يذهب ويرتمي فى
عالمه بروحه وعقله .. وأخلاقه!!.